الاثنين، 19 أكتوبر 2015

المحميات الطبيعية في العالم العربي



المحميات الطبيعية في العالم العربي










تنبهت معظم الدول العربية في السنوات الخمسين الأخيرة إلى الأضرار الجسيمة التي ألحقها الإنسان العربي بالطبيعة التي يعيش في أحضانها. وقد شملت هذه الأضرار الأرض وما عليها وما ينبت فيها من أشجار برية ونباتات مفيدة حيوانات تعايشت مع الإنسان في هذه البلدان أجيالاً طويلة. حتى أن بعض الأودية والوهاد التي كانت خصبة في يوم من الأيام أصبحت جرداء قاحلة. وبعض الجبال القليلة أصلاً في الكثير من بلدان العالم العربي، أصبحت صخوراً مكشوفة ومعرضة لا تنبت على قممها أو منحدراتها أشجار ولا حتى شجيرات. وغدت الصحارى تتمدد بفضل إهمال الأرض وشحّة المياه. كل هذه الأضرار الطبيعية التي بدّلت في منظر الأرض العربية جاءت بفعل الجهل أو التجاهل رغم الأصوات القليلة التي ارتفعت هنا وهناك تنذر بما تحمله هذه التغيرات السلبية على حياة الإنسان العربي وعلى بيئته التي عاش أجيالاً بفضلها وبفعل تفاعله معها واستفادته مما تقدمه له من غذاء وماء وحماية مجانية وثروة لا تقدر.

اليوم تتبدل الصورة شيئاً فشيئاً، إذ نشطت جماعات تؤمن بالثروة البيئية تدعو إلى العودة إلى الأرض واستصلاحها لتصحيح الأضرار المتراكمة في محاولة لوقف التصحر بكل أشكاله، إن في السهول الملاصقة للصحاري أو في الجبال التي تجردت من خضارها أو في الأنهار التي نضبت.


دعت هذه الجماعات إلى البدء بإقامة المحميات وإعادة إحياء الارض وحماية الحيوانات والطيور البرية التي عاشت فيها وهجرتها يوم لم تعد تجد فيها غذاء وحماية.


تنتشر الآن محميات كثيرة في البلدان العربية كافة، وهي في ازدياد. وقيمة هذه المحميات ليست فقط في تجميل المناظر الطبيعية بل في إعادة الحياة إلى أرض قحلت وجلب ما هجرها من حيوان وطير وبالتالي إخصاب الطبيعة التي تزداد غنى كلما زادت مقومات العيش فيها.


منها :


1- لبنان


في لبنان اليوم حوالى تسع محميات ناشطة. فقد أقيمت سنة 1966 محمية أرز الشوف تغطي 5 بالمئة من مساحة البلاد على ما يقارب 550 كيلومتر مربع. وتقع هذه المحمية على ارتفاع يتراوح بين ألف وألفي متر عن سطح البحر فوق قمة ومنحدرات جزء من جبل لبنان الواقع بين منطقتي الشوف والبقاع. تضم هذه المحمية، التي يعاد زرع أشجار الأرز فيها على نطاق واسع 25 بالمئة من شجر الأرز اللبناني. وهي اليوم تستضيف 27 نوعاً من الحيوانات اللبونة البرية بعضها نادر الوجود عالمياً. ويعيش فيها حوالى 200 نوع من الطيور منها 19 نوعاً نادراً.


وفي المحمية، فضلاً عن شجر الأرز 524 نوعاً من النباتات والأشجار بينها 16 شجرة نادرة على المستوى المحلي وست شجرات نادرة على المستوى العالمي.


وفي الشمال تستعيد غابة الأرز الأقدم في بشري بعض الحياة. فمحمية أرز بشري التي أنشئت سنة 1975 تمكنت بفضل المساعدات المحلية والخارجية من إعادة تشجير 80 بالمئة من الغابة ذات المساحة البالغة 110 كيلومترات مربعة. ويجري التحضير لتوسيع هذه المساحة إلى حوالى ألف كيلومتر. كما يجري البحث في ضم هذه المحمية إلى منطقة وادي قديشا الأثرية القريبة لتشكلا منطقة طبيعية واسعة تقع تحت حماية طبيعية موحدة. ويجدر الإشارة إلى أن محمية الأرز ما زالت تضم ثلاث أرزات عمرها 3000 سنة وعشر أشجار من الأرز يعود عمرها إلى حوالى ألف سنة. أما الأشجار الباقية وعددها 363 شجرة فتتفاوت أعمارها بين مئة ومئتي سنة.




وعلى مقربة من بشري أقيمت محمية في إهدن تدعى "محمية حرج إهدن" أنشئت عام 1992، مساحتها عشر كيلومترات مربعاً ثلثها مشجر والباقي يجري زرعه من جديد. والمحمية هذه تضم حالياً 1030 نوعاً من النباتات بينها 39 نوعاً من الأشجار و300 نوع من الفطر البري و30 نوعاً من الأوركيد فضلا عن أنواع عديدة من الطيور والحيوانات.


وفي تنورين أنشئت أيضا سنة 1992 محمية أرز تنورين حيث تعيش أشجار من الأرز من أنواع متعددة. كما تضم المحمية 150 نوع من الشجيرات والأزهار البرية فضلا عن أنواع برية من الحيوانات والطيور. وهي تغطي 6 آلاف كيلومتر تعيش فيها 60 ألف شجرة بعضها عمره أكثر من ألف سنة.


تعتبر محمية اليمونة التي أنشئت سنة 1999 والواقعة على المنحدرات الشرقية لجبل لبنان بمحاذاة الحدود السورية الأهم بين محميات لبنان. واليمونة، أي البحر الصغير، بحيرة طبيعية تقع على علو يتراوح بين 1500 و2000م تغذيها 6 أنهار و84 نبعاً موسمياً. فيها 1736 نوعاً من النباتات بينها أعداد كبيرة نادرة وذات منافع طبية. في المحمية أنواع كثيرة من الحيوانات البرية فضلا عن الطيور المقيمة أو المهاجرة التي تأتيها من أجزاء أوروبية وآسيوية. وتعيش في البحيرة أنواع نادرة من الأسماك منها نوع خاص بها وثلاثة أنواع من الضفادع.


وليس بعيدا عن اليمونة يقوم مستنقع عميق في البقاع، وهو مستنقع غني بأشجاره يرتفع 875 متراً عن سطح البحر وتزوره بشكل دائم الطيور المهاجرة بأنواعها المتعددة. وفيها الثعلب الأحمر والخنزير البري والأرانب البرية.


وفي عكار وهي منطقة تقع في شمالي لبنان غابة القموع الطبيعية وهي الأكبر تضم عشرة ملايين شجرة ومئات الشجيرات والنباتات المزهرة. وفي جزء منها في بلدة فنيدق تعيش 400 ألف شجرة من نوع واحد. وهي منطقة فريدة في جمالها وتنوعها. وعلى مقربة تقوم محمية كرم شباط على بعد عشرة كيلومترات من بلدة القبيات ومساحتها 3000 كيلومتر مربع تضم أعداداً كبيرة من الحيوانات شبه المنقرضة وعدداً من الأشجار والنباتات النادرة.


وعلى الساحل اللبناني بدءاً من صور المدينة التاريخية أنشئت محمية سنة 1998 سميت "محمية شاطئ صور" وهي تمتد على مساحة 4 كيلومترات مربعة تقريباً مقسمة إلى ثلاثة أقسام أهمها القسم المتعلق بالمحافظة على الحيوانات والنباتات البحرية.


وفي الشمال مقابل طرابلس ثلاث جزر كلها محميات طبيعية. جزيرة النخيل هي أكبر هذه الجزر. وأهمية هذه الجزر أنها تضم أنواعاً متعددة من النباتات والحيوانات البحرية وتزورها الطيور المهاجرة بينها طيور كبيرة جارحة كالنسر.


2- سوريا


بدأت وزارة الزراعة في سوريا سنة 1980 بإحياء الحياة الحيوانية البرية التي تضاءلت إلى حد أصبح من الممكن أن تنقرض. ومنذ ذلك الوقت عاد الحمار الآسيوي والغزال بأعداد كبيرة إلى البراري السورية. وكذلك أقامت الوزارة بدءاً من 1978 حزاماً أخضر حول المناطق الصحراوية لمنع التمدد الصحراوي. ويجري حالياً العمل على إقامة محمية كبيرة في أم الطيور قرب اللاذقية على أن تصبح هذه المحمية عند جهوزها حديقة عامة واسعة جداً.


أما حالياً فتقتصر المحميات على مناطق مصانة وأحزمة خضراء. ويجري ضبط مصادر المياه للاستفادة منها في الأعمال الزراعية. كما أقامت الوزارة مراع مغلقة بدءاً من سنة 1968 لإغناء البيئة بلغت مساحتها حتى الآن 22 ألف هكتار. وخُصصت حتى الآن مزرعتان كمحميتين حيوانيتين، واحدة منهما في دير الزُّور .



لا تغطي الغابات الطبيعية سوى 4 بالمئة من مساحة البلاد، وهي تنتشر بنوع خاص على طول جبلي طوروس وزغروس مع الحدود التركية.


أقيمت في الثمانينات من القرن الماضي سبع محطات للحيوانات البرية حيث تكاثرت الولادة فيها. ومساحة هذه المحطات تصل إلى 490 هكتاراً.


أكبر محمية طبيعية من غير صنع الإنسان هي منطقة الأهوار الواقعة في الجنوب. وهي منطقة غنية بالأسماك والطيور. وكانت الأهوار قد طمر قسم كبير منها أثناء حرب العراق مع إيران لأسباب عسكرية وأمنية. واليوم يستعيد القسم الأكبر من هذه المنطقة، التي تعود إلى ما قبل التاريخ وفيها نشئت أول حضارة إنسانية، طبيعته الأصلية بعد أن رفعت أعمال الطمر وبدأت تظهر فيه الطيور والأسماك والحيوانات.



3- بلدان الخليج العربي


البلدان العربية المنتشرة على طول الشاطئ الغربي من الخليج العربي تشترك في طبيعة أرضية ومناخية


واحدة تقريباً. فهي صحراوية رطبة المناخ شديدة الحر في بعض أجزاء السنة.


في الكويت حوالى 400 نوع مسجل من النباتات و28 نوعاً من الحيوانات اللبونة وما يزيد على 300 نوع من الطيور. من جهة أخرى تفتقر الكويت إلى الغابات مثلها مثل أكثر بلدان الخليج. تنبت فيها بعض الشجيرات. وهي غنية بالثروة السمكية بينها القريدس أو الروبيان والمحار، ويتواجد فيها النورس ونوعان من السلحفاة المهددة عالمياً بالانقراض يزورها سنوياً حوالى ثلاثة ملايين طائر من مئتي نوع مهاجر من بلدان مجاورة وتأتيها كذلك أعداد كبيرة من الغزلان.



في عمان معظم أرض عمان صحراوية أو شبه صحراوية وبعض مناطق زراعية خصبة، ثمانون بالمئة منها مرتفع بين مئة وستمئة متر فوق سطح البحر باستثناء منطقة الجبل الأخضر الذي يصل ارتفاعه إلى ثلاثة آلاف متر. في عُمان حوالى 1100 نوع من النباتات منها 50 نوع مستوطن. وهناك 70 نوعاً من الحيوانات اللبونة و392 نوعاً من الطيور أكثرها طيور مهاجرة و74 نوعاً من الأفاعي و3 أنواع من الحيوانات البرمائية و58 نوعاً من الأسماك بينها ستة أنواع يعيش في الماء الحلوة. ويوجد 70 نوعاً من الفراشات و300 نوع من العثة.


تقوم محمية راس الحد للسلاحف في ولاية صور. وهي تغطي 120 كيلومتراً على ساحل طوله 42 كيلومتراً. وهذا الجون يجتذب الكثير من السلاحف بحيث تهاجر إليه سنوياً حوالى 6000 إلى 13000 سلحفاة قادمة من الخليج العربي أو البحر الأحمر أو من الشواطئ الأفريقية الشرقية.



4- السودان


على المقلب الآخر من العالم العربي حيث الدول العربية الشمال أفريقية نجد أن الاهتمام بالبيئة قد بدأ يرى النور وينشط.


فالسودان، البلد الأكبر مساحة في أفريقيا، لديه غابات تغطي 19 بالمئة من مساحته ومراع تغطي 22 بالمئة. أما الأرض المستغلة زراعياً فهي فقط في حدود 5 بالمئة.


تشغل المحميات حوالى 11.7 مليون هكتار، جلها في الجنوب. وكانت الحكومة السودانية قد أصدرت مرسوماً عام 1939 تجيز فيه إقامة محميات طبيعية وحدائق عامة كبيرة. ورغم أن المرسوم دعا إلى إقامة هذه المحميات في كل أجزاء البلاد فإن المناطق الصحراوية والساحلية ظلت حتى هذا التاريخ خالية منها.


أشهر المحميات في السودان حديقة دندر العامة التي أقيمت عام 1935 وأُهملت زمناً حتى بدأت تعود إلى الحياة اليوم بمساعدة من الأمم المتحدة. وهذه المحمية – الحديقة العامة تقع على بعد 560 كيلومتراً إلى جنوب شرق الخرطوم على الحدود مع الحبشة وهي تمتد على مساحة 10290 كيلومتراً مربعاً. ويمر نهرا دندر ورهاد قربها. أنشئت داخلها 40 بركة كبيرة لتأمين مياه الشرب للحيوانات أثناء فصل الجفاف.


نشير أخيراً إلى أن بعض الحيوانات التي كانت منتشرة في هذه المنطقة في زمن ما، قد انقرضت أو لم تعد تشاهد هنا. ومن هذه الحيوانات: وحيد القرن وفرس النهر (غابا مع مطلع القرن العشرين) وتمساح النيل (الذي كان كبير الأعداد حتى 1940). وغابت الزرافة منذ 1985.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق